تكرم القديسة مارينا في أكثر من كنيسة شرقيّة وفي كل منها رواية عنها مختلفة شكلاً وموحدة مضمونًا.
نذكر منها: (نقلاً عن لوحة موجودة في مغارة القديسة مارينا – وادي قنوبين)
القديسة مارينا
عاش في القرن السادس عشر رجل صالح اسمه ابراهيم من بلدة القلمون. رزقه الرب وزوجته ابنة، دعياها مارينا. فربياها على تقوى الرب، ومحبة القريب، وخدمة المحتاج.
توفيت زوجة ابراهيم تاركة زوجها في وحدة الترمّل وابنتها في وحشة اليتم. فقرّر ابراهيم دخول الدير بعدما يطمئن إلى مستقبل ابنته. لكن الأخيرة لم ترض فراق والدها، وقرّرت أن تدخل الدّير معه متخفّية بزيّ الشبان. وبفضل حياتها الريفية القاسية، كانت أقرب بشكلها الخارجي إلى أشكال الشبان، فلم تجد صعوبة، بعدما قصّت شعرها، أن تدخل صفّ الابتداء تحت اسم الأخ مارينوس. وكان والدها قد باع أرزاقه موزعًا قسمًا على الفقراء، وحمل النصف الآخر إلى الدير.
تدرّج ابراهيم بسرعة ورُسم كاهنًا على مذبح سيدة قنوبين. إلا أن الله توفاه بعد ثلاث سنوات في الكمال الرهباني.
أما الأخ مارينوس فقد بلغ السابعة عشرة من عمره، وكان في غاية التقوى والنشاط والتواضع. وجاء موسم الزيتون, وكان من عادة دير قنوبين أن يرسل في كل موسم الراهب المسؤول عن بيت المؤونة ليبارك حصيلة الموسم، ويعود بالتقديمات. وقد عيّن الأب الرئيس الأخ مارينوس ليساعد الراهب في حمل البواكير المقدمة إلى الدّير. وفي طريق العودة باتا ليلتهما في خان قديم من بلدة طورزا. وكان لخاناتي طورزا فتاة نشأت مع زبائن الخان على غير تهذيب، فتورطت بعلاقة مع أحدهم. ولما خافت ووالدها من العار، اتفقا على اتهام الراهب الشاب, ونسب الولد إليه, فيتكفّل الرهبان بتربيته…
ولما أمر الأب الرئيس ومجلس المدبرين الأخ مارينوس المتهم بالشكوى الخطيرة، لم ينبس بكلمة ولم يحتجّ. بل حنى رأسه صامتًا منهارًا كأنه يعترف بخطئه. فأمره المجلس بترك الدير وتربية الولد. فأخذ الطفل وخرج باكيًا، يتملكه اليأس من العدالة البشرية هائمًا هاربًا في البراري إلى أن التجأ إلى أقرب مغارة قرب الدير. فاستسلم والطفل إلى راحة النوم العميق، حتى أنه لم ينتبه في شحوب الفجر لشبح أسود يتسلل ببطء وسكون ويضع بالقرب من مارينوس طاسة عدس مع طلمتين وينسحب كما دخل. ولما استيقظت تلك العذراء على أنين الطفل الجائع، إذ بالغريزة الأنثوية تجتاح كيانها وتتم الأعجوبة، ويدر صدرها غذاءًا ينقذ الطفل المعدم من موت محتم.
وبينما هي مأخوذة بقدرة الرب، يقع نظرها على طاسة العدس والطلمتين، فشكرت رحمته وتناولت فطورها. وكان كلّما عاد الظلام، يتسلل شبح الأمس ويضع شيئًا من الطعام، ويتراجع صامتًا لئلاّ يقع في الحرم لو خاطب الأخ المحروم. ولم تمرّ بضعة سنوات حتى غدا أهل القرى المجاورة يعرفون قصة الأخ مارينوس المحروم، فيتجنّبونه وولده.
وأمام هذه المعيشة الخشنة والحرمان والعزلة المرهقة، كان لا بد للفتاة أن تتضاءل قواها وتشعر بدنوّ أجلها. فترسل الولد إلى رئيس الدير تستدعيه بإلحاح… ولما همّ الأب الرئيس بحل الأخ مارينوس من حرمه طالبًا منه التوبة عن كل خطاياه. اعترفت الفتاة بأنها مارينا وليست بالأخ مارينوس, وقد أخفت سرها خوفًا من أن تلتصق تهمة الزنا، لو هي أنكرت، برفيقها ذاك الراهب الجليل. فانسابت الدموع صامتة حتى بللت لحية الرئيس. وما كاد الخبر ينتشر حتى اكتظت المغارة بالرهبان حاملين المشاعل والمباخر، فامتلأت المغارة بأصداء التراتيل وبصلاة المنازعين تشاركهم فيها مارينا حتى آخر أنفاسها. فتسارع أهالي الجوار مأخوذين بقصة الراهبة القديسة طالبين شفاعتها. ولما أخذ الرهبان يتجهون نحو ديرهم. قفز الولد وراءهم مرددًا: أنا الأخ مارينوس.صلاتها معنا