المراحل الأربعة لاسترداد الأموال المنهوبة
مرحلة ما قبل التحقيق،•
مرحلة التحقيق،•
مرحلة الإحالة إلى القضاء، •
مرحلة رد الأصول والأموال المنهوبة إلى أصحابها الشرعيين، •
إن عملية استرداد الأصول والأموال المنهوبة معقدة للغاية، وتتطلب موارد كثيرة واتصالات وتنسيق وثيق بين
كل من السلطات المعنية وبين نظرائها الأجانب. ذلك لأن غاسلي الأموال الذين يتمتعون بمهارات عالية يتبنون
العديد من الاستراتيجيات لإخفاء حقيقة الأموال المنهوبة، وتحويلها إلى أشكال عديدة من عملات صعبة،
وأموال إلكترونية، وممتلكات ملموسة وغير ملموسة، وشركات وهمية ومساهمات، والكثير من الأشكال
الأخرى. وهم يقومون بتحويل ونشر هذه الأصول والأموال عبر العديد من الجهات باسم العديد من المالكين
لإضفاء المزيد من الإخفاء على الطبيعة الحقيقية لهذه الأصول وزيادة صعوبة تتبعها وضبطها من جانب
السلطات المعنية. وبالتالي فإن مصطلح استرداد الأموال والأصول ينطوي على سلسلة من الإجراءات
والأعمال التي يتم القيام بها لتتبع وضبط ومصادرة الأصول والأموال المنهوبة وإعادتها. وهذه العملية معقدة في كل مرحلة من مراحل استرداد الأموال كما سوف نشرح.
وعلى ضوء هذه المعوقات، فإن الاتصالات والتنسيق الداخلي والدولي هو أساس العمل لاسترداد الأصول
والأموال المنهوبة. ولا ينبغي اتخاذ أي إجراء منفرد يؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على جمع الأدلة، أو
التحقيقات، أو المحاكمة أو إصدار أحكام قضائية بشأن قضية استرداد أموال من جانب أي جهة من الجهات
التي تعمل بمفردها بدون مشاورات ومناقشات بشأن المخاطر المترتبة على ذلك وعوامل التخفيف منها مع
النظراء الوطنيين والدوليين. وينطبق هذا بصفة خاصة عندما تحتاج البلدان إلى إصدار أو إنجاز طلب خاص
بالمساعدة القانونية المتبادلة.
وتنص اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد صراحة على استرداد الأموال باعتباره مبدأ أساسيا للاتفاقية
(مادة ١٢ من الاتفاقية) وتخصص بابا كاملا لاسترداد الأموال (الباب الخامس). ويوضح الباب ٨، التدابير التي
يتم إتخاذها لمنع وكشف تحويل العائدات المتأتية من الجريمة (المادة ١١)؛ وتدابير الاسترداد المباشر
للممتلكات والأموال والأصول (المادة ١٢)؛ وآليات استرداد الممتلكات من خلال التعاون الدولي في مجال
المصادرة (المادتان ٥١، و١١)؛ وتدابير إرجاع الأموال (الأصول والممتلكات) والتصرف فيها (المادة ١٥). وهناك
العديد من المواد في أبواب أخرى تتناول استرداد الأموال والأصول ودور منظمات المجتمع المدني. وهناك
أقسام ذات صلة بمشاركة المجتمع (المادة ٢٢)؛ ومنع وتجريم غسل الأموال (المادتان ٢٥، و١٢)؛ وحماية
المبلغين عن المخالفات (المادة ٢٢)؛ والتعويض عن الأضرار (المادة ٢١)؛ والتعاون بين السلطات الوطنية
والقطاع الخاص (المادة ٢٣)؛ وسرية البنوك (المادة ٥١)؛ والمساعدة القانونية المتبادلة (المادة ٥٤).
المرحلة الاولى – مرحلة ما قبل التحقيق: والسؤال الرئيسي الذي يتعين الإجابة عليه في هذه المرحلة هو
هل وقعت جريمة ما (على سبيل المثال تتعلق بنهب المال العام) ومن ارتكبها؟
يتلقى المحقق معلومات من مصدر ما عن جريمة ما و/أو أصول وأموال منهوبة، ويعمل على جمع المزيد من
الأدلة والبيانات للتحقق من صحة هذه المعلومات. وتلعب وحدة التحقيق الخاصة برئاسة حاكم مصرف لبنان
(بموجب قانون ٤٤/٢٠١٥) او لجنة استرداد الأموال المنهوبة ( بموجب قانون سبعة لاستعادة الأموال المنهوبة)
على وجه الخصوص دورا بالغ الأهمية في هذه المرحلة للتأكد من المعلومات المبدئية عن النهب الفعلي
للأموال والأماكن التي يحتُمل إخفاؤها فيها.
المرحلة الثانية – مرحلة التحقيق:
ويمكن تلخيص الأسئلة التي يتعين الإجابة عليها على النحو التالي:
ما هي أضرار هذا الجرم، أي ماذا أُخذ؟ •
متى وأين وقعت هذه الجريمة؟•
إلى أين تم تحويل حصيلة الجريمة، وأين هي الآن؟ •
ما الدافع وراء ارتكاب هذه الجريمة؟ •
كيف اُرتكبت هذه الجريمة؟ كيف تم تحويل الأموال؟•
حيث يتم تحديد حصيلة الجريمة، وتحديد مكانها، وتجميدها، مع جمع الأدلة الخاصة بملكية هذه الأصول
والأموال للسماح بإصدار أمر حجز ومصادرة. وفي هذه المرحلة تحتاج سلطات التحقيق والسلطات القضائية
في البلدان الطالبة والمطلوب منها خدمات أن تختار الأدوات المناسبة لتحقيق النتائج المرجوة (على سبيل
المثال، جمع الأدلة، أو تجميد الأصول والأموال أو مصادرتها). ومن المهم إدراك أن هذه المرحلة ترتبط بكل
من الجرم الأصلي، وكذلك الإجراءات التي تم اتخاذها لغسل الحصيلة المتأتية من الجرم الأصلي. ومرحلة
التحقيقات مرحلة مزدوجة تهدف إلى تحديد أماكن الأموال المنهوبة وتجميدها، وكذلك ربطها بارتكاب فعل
غير قانوني. وبالتالي، ففي هذه المرحلة، من المهم التركيز على الوصول إلى أدلة كافية على جرم الفعل
الأصلي الذي أتت منه هذه الأصول والأموال، وكذلك الوقوف على الأساليب المحددة لغسل الأموال التي لجأ
إليها المجرمون.
المرحلة الثالثة – مرحلة الإحالة إلى القضاء: والأسئلة التي بحاجة إلى إجابة في هذه المرحلة (لاسيما من
جانب السلطة القضائية) تتضمن ما إذا تم جمع أدلة مقنعة وما إذا تمت مراعاة سيادة القانون في مرحلة
التحقيق؟
والتي تأتي بعد مرحلة التحقيق، والإحالة إلى المحاكمة. مرحلة الإحالة إلى القضاء تتضمن المحاكمة وإصدار
حكم ضد الأشخاص الذين تم تحديدهم في المرحلة السابقة. وفي حالة إدانة المتهم، تصدر المحكمة حكما
نهائيا بالمصادرة القانونية للأصول والأموال التي تم نهبها مع ارتكاب الجريمة الجنائية. وعند استنفاد طرق
الطعن والنقض، تحدد هذه المرحلة الانتقال من مرحلة “تجميد الأموال”. وحتى يتسنى مصادرة الأصول
والأموال في البلد التي ُوجدت فيها، يتعين على السلطات القضائية لدى الجهات الطالبة العمل بصورة
وثيقة مع أقرانها لضمان اتخاذ مسار عمل مناسب (على سبيل المثال، إنفاذ قرار
المصادرة من البلد الطالب أو الحصول على أمر مصادرة محلي لدى الجهة المتلقية للطلب) ومن المهم
ملاحظة أن هذا القسم على الرغم من أنه يرتبط بصورة رئيسية بالإجراءات الجنائية، فإن الإجراءات الجنائية
التي تحيط بالدعاوى المدنية وكذلك إجراءات المصادرة التي لا تستند إلى حكم إدانة تُعتبر أيضا مسلكا”
مناسبا” في هذه المرحلة حسب ظروف كل قضية منظورة على حدة.
المرحلة الرابعة – مرحلة رد الأصول والأموال المنهوبة إلى أصحابها الشرعيين: والأسئلة التي تُطرح في هذه
المرحلة بوجه عام تحديد قيمة الأصول والمبالغ التي يتعين ردها، وطرق التصرف فيها؟
هذه المرحلة تتطلب سلسلة من الإجراءات والأعمال التي يتم القيام بها لتتبع وضبط ومصادرة الأصول
والأموال المنهوبة وإعادتها إلى أصحابها الشرعيين (قد يكون هؤلاء دول، أو مشروعات مملوكة للدولة، أو
أفراد عاديين، أو كيانات اعتبارية خاصة). وهذه العملية معقدة، ليس فقط لأن مرتكبي الجرائم الجنائية
يحاولون إخفاء الطبيعة الحقيقية للأصول والأموال المنهوبة وأصلها وملكيتها من خلال أساليب غسل الأموال،
ولكن لأنها ايضا تتطلب اتصالات نشطة وتنسيق وثيق بين كل من السلطات المعنية وبين نظرائها الأجانب حيث
يمكن العثور على أدلة.
ختاما، إن استرداد الأموال المنهوبة يمكن أن يتيح موارد أساسية لتسديد الدين العام ولتمويل الخدمات العامة
والاستثمارات في البنية التحتية، والبرامج الأخرى التي تستهدف تعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية. وعلاوة
على ذلك، فإن استرداد الأموال المنهوبة يمثل عنصر ردع للفساد، نظرا لأنه يقوض الحافز الرئيسي له. ولهذه
الأسباب، يتحتم على جميع العناصر الفاعلة ــ أي الدول والمنظمات الدولية والقطاع الخاص ولاسيما
المؤسسات المالية ومنظمات المجتمع المدني ــ أن تتفهم أدوارها وواجباتها ومسؤولياتها كل فيما يخصه بما
يتعلق باسترداد الأموال المنهوبة، والسعي لتضافر الجهود والدعم المشترك إن أمكن ذلك.
الناشط السياسي- د. سمير الحلبي