تتفاقم الازمة اللبنانية الحالية، وتتشعب لتطال مفاصل الدولة كافة، ومصير الشعب اللبناني يجميع اطيافه، ولا يمكن القول ان هذه الازمة وليدة لحظة ما، بل انها سياسات متعددة تراكمت على مر السنوات، فمنذ نهاية الحرب اللبنانية وارساء قواعد اتفاق الطائف، التي لم تنفذ كاملة، والبدء بتطبيق سياسات مختلفة في كافة النواحي، والتي سميت آنذاك بالسياسات الحريرية، و كان ابرزها الاعتماد على المشاريع الخدماتية والمصرفية وتثبيت سعر الصرف والتي ادت دورها في السنوات الاولى لها، ولكن عدم تغيير النمط الاقتصادي والسياسي كلن لابد له ان يؤدي الى تراكم الازمات بصورة متتالية، مما اتاح ضرب الاستقرار النسبي انذاك مع حملة الاغتيالات والمعارك الوهمية الداخلية والحروب الاسرائيلية والتدخل الخارجي العلني من كافة المحاور.
ومع الاتفاقات السياسية الانية، وتقاسم الحصص والمصالح على مر تلك السنوات، كان الانفجار الاقتصادي عام ٢٠١٩ والذي ادى الى ازمة سياسية شلت البلد بالكامل وضربت كل القطاعات الاقتصادية دون استثناء، فمن ازمة سعر الصرف والتدهور السريع لليرة والتي ضربت مفاصل القطاع العام، الى ازمة المصارف والودائع المحجوزة وتآكل الاحتياط النقدي، فامتدت هذه الازمات الى انسحاب المؤسسات الدولية والعربية والصديقة من تقديم يد العون للبنان مع تشابك المحاور الخارجية على ارض الوطن.
كل هذا، ادى الى عجز السلطات كافة عن حلحلة هذه التعقيدات بل على العكس، فقد زاد التدهور السياسي والاقتصادي من مآسي الشعب اللبناني عبر زيادة معدلات الفقر والبطالة والتضخم الى مستويات مرتفعة، وعجزت السلطة عن القيام بدورها، وبرز ذلك من خلال العجز التام عن التعينات كافة، وانتخاب رأسا للدولة خاصة، فأدى الى ما نراه اليوم من تخبط كافة القطاعات الاجتماعبة من تعليم و طبابة و غيرها من ازمات طالت كافة متطلبات المواطن الحياتية.
وبعيدا عن السياسة، فان القرارات الاقتصادية العشوائية من زيادة الضرائب والمداخيل من جهة واختلاف منصة الصرف لم تؤدي الا الى مزيد من الانهيار، فالدولة في عجز وانكماش، فالاجدى بمسؤولي البلاد لاسيما الاقتصاديون اعداد دراسة جادة سريعة للمدى القصير للحد من التدهور السريع، كما واعداد مشاريع اقتصادية بالتعاون مع المصرف المركزي وادارات الدولة
والمؤسسات العامة التي تدر اموالا على الخزينة واسغلال هذه الموارد للمصلحة العامة والعليا للدولة، وتنشيط الواقع الساحي والخدماتي، ومد يد العون للمشاريع الصغيرة لما فيها من حركة لعجلة الاقتصاد الاني،كما وايجاد حلول لازمة المودعين والمصارف لاستعادة الثقة الداخلية و الخارجية، زد على ذلك حل ازمة التعليم والطبابة لما تشكله من اساس الاستقرار الاجتماعي، والحد من هجرة الشباب ومحاولة ايجاد ارضية لفرص عمل داخلية، كل ذلك من الاصلاحات الداخلية مضافة الى البدء الجدي باستعادة دور الدول الصديقة لاسيما العربية منها واعادة اطلاق الاجتماعات مع المؤسسات الدولية لما يزيد ذلك من فرص زيادة الدعم الدولي عبر المؤتمرات المانحة.
ان لبنان يقبع الان في ادنى طبقات الازمات، والتصنيفات الدولية لا تنبئ بالخير، و الحلول كثيرة ان كانت هناك نية وطنية لذلك، و هذه النية عند بعض المسؤولين موضع شك، فما يقال من الخبراء وعامة الشعب على السواء، لا يمكن ان يكون غائبا عن اذهانهم، فأما ما نحن فيه مقصودا، و اما نحن اما بعضا من الجهلة الذين يقودوننا الى جحيم الوطن.
د. خلدون عبد الصمد