منذ فترة يعاني الاقتصاد اللبناني ازمة اقتصادية غير مسبوقة، وتفاقم هذه الازمة يعود اساسا الى اعتماد لبنان بشكل كبير على القطاع الخاص حيث انه يقدر بما يزيد عن ٧٠% من مقدار الطلب الكلي، مدعوما بمعظمه من القطاع المصرفي.
وان حاولنا تفصيل مقومات الاقتصاد اللبناني، نرى بوضوح ان ركني الاقتصاد الثابتين وهما الزراعة والصناعة، واللذان ان كان قد تم دعمها رسميا منذ سنين لكان وفر العديد من فرص العمل وحسن الصادرات وبالتالي خفف العجز عن الميزان التجاري وميزان المدفوعات، وهذا ما ينقلنا تلقائيا الى تحسن احد اهم المقومات في عجلة الاقتصاد اللبناني التاريخية الا وهو التجارة، والذي كان الركن الاساس في الاقتصاد اللبناني الى جانب قطاعي السياحة والخدمات.
وبعيدا عن المقومات الاساسية الكلاسيكية للاقتصاد اللبناني، نرى بوضوح الاهمية التي كانت لدى القطاع المصرفي والاستثماري في عجلة الاقتصاد، فكون لبنان يعد من الدول النامية والتي يعتمد كغيره من هذه الفئة على الدعم الخارجي والدولي، فان الاستثمارات الاجنبية في القطاعات كافة كانت الاساس في انتعاش اقتصاده منذ الاستقلال، ومرورا بعصره الذهبي في القرن الماضي، ووصولا الى دولة ما بعد الحرب الاهلية، وما ساعد على ذلك عدم وجود قيودا على التعاملات المالية والسرية المصرفية وحرية نقل الاموال وغيرها من التسهيلات التي ساهمت في انتعاش الاقتصاد في فترات مختلفة.
الا ان الوضع الحالي، ومع انهيار كل هذه المقومات، اضافة الى ضعف الليرة اللبنانية الهائل وتعثر المفاوضات مع المجتمع الدولي، وعدم الثقة الداخلية والخارجية بمؤسسات الدولة، لاسيما المالية منها، والانقسامات السياسية الحادة، كل ذلك جعل الوضع الاقتصادي ينهار سريعا نحو الهاوية.
ان التغيير الشامل للافكار التقليدية الاقتصادية، وفصل الاقتصاد عن السياسية، والتفكير الجدي في انهاء الهدر والفساد في القطاعات الخدماتية، والتوجه الجدي نحو معرفة القيمة الحقيقية للنفط والغاز في لبنان، واستعادة الثقة بالمؤسسات كافة، هو الخطوة الاولى والاساسية لاعادة بناء الاقتصاد، وبالتالي الخروج من الازمة الحالية التي دمرت المجتمع اللبناني فقرا وبطالة وتضخما وفسادا وعجزا.
د. خلدون عبد الصمد