أمضى النبي إيليا حداثته تحت أنظار والديه التقيين، وكما قال المسيح له المجد: “كل شجرة صالحة تثمر ثمراً جيداً فمن ثمارهم تعرفونهم (متّى7/17)”حتى تمّ تقديم رجل هزّ العالم القديم بصوت إنذاره وقوة إيمانه وعظائم معجزاته وجرأته النادرة وغيرته المتّقدة إرضاء لربه ودفاعاً عن حقوق إلهه.
إن كل الرجال العظماء في تاريخ الإنسانية الذين أنبتتهم السماء لمهمّة سامية أو لرسالة شريفة قد استعدوا لها بصدق الاعتقاد وصالح الأعمال وطهارة الأخلاق وجميل الفضائل، فلبثوا أياماً وشهوراً بل سنين طويلة في الهياكل والأديار، في البراري والقفار والمغاور، بعيدين عن ضوضاء العالم ممعنين في قهر أجسادهم ليتسنّى لهم الاتحاد بالله والتحلّي بأخلاقه، كما فعل نبيّنا مار الياس الحيّ حين التجأ إلى مغارته على ضفاف نهر كريت القريب من بلدته ليقضي وقته كله في عبادة الله بعيداً عن العالم، بُغية أن يقدّس نفسه ويكفّر عن خطايا الشعب ويتّحد بإلهه ليتدرّع منه القوة والعجائب.
في هذه الأثناء، كانت الحالة الدينية لبني إسرائيل سيئة جداً، في عهد ملوكها الأشرار وبالأخص الملك “أحاب”، فتركوا عبادة الإله الحقيقي وعبدوا الأصنام وعلى رأسها الإله “البعل ملكار” الذي فرضته الملكة إيزابيل الشريرة التي سيطرت مملكتها على المدن والقرى الإسرائيلية والمناطق المجاورة. وفي هذا الجو الموبوء الجهنّمي كانت كلمة الرب إلى نبيّه إيليا: “قم انزل فقد استفحل الشر بين أبناء شعبي إسرائيل بسبب أحاب الشرير وإيزابيل الملعونة وأنا أدرّعك بقوة طائشة”.
وبما أن إيزابيل ساقت زوجها الملك وشعب إسرائيل إلى عبادة البعل، فالأعجوبة الأولى تمّت بانحباس المطر بعد أن أنذر إيليا أحاب الملك بقوله: “حيّ الرب إله إسرائيل الذي أنا واقف أمامه إنه لا يكون في هذه السنين ندى ولا مطر إلاّ عند قولي”، فأطاعت السماء قول النبي وانحبس المطر فجاع الناس وماتت البهائم وصار ضيق شديد، وفي تلك الضيقة اعتنى الرب بنبيّه إذ أمره قائلاً: “امضِ من هنا شرقاً وتوارَ عند نهر كريت الذي تجاه الأردن فتشرب من النهر، وقد أمرت الغربان أن تقوتك هناك. فمضى وصنع بحسب قول الرب، فكانت الغربان تأتيه بخبز ولحم في الصباح والمساء، وكان يشرب من النهر. وبينما الله يهتمّ بمعيشة نبيّه كان هذا المختار يصرف أوقاته بالصلاة والتأمّل والإماتة شاكراً ربّه وتكفيراً عن خطايا الشعب، إلى أن جفّ النهر لانحباس المطر عن الأرض.
بعدها، خاطب الرب النبي إيليا وأمره بالذهاب إلى “صرفت”، وهناك قابل امرأة تجمع الحطب فدعاها قائلاً: “هاتي لي القليل من الماء وكسرة خبز” إلاّ أنها قالت له: “حيّ الرب إلهك إنه ليس عندي إلاّ ملء راحة دقيقاً في الجرّة ويسير من الزيت في القارورة. وها أنا أجمع عودين من الحطب لأدخل وأصنع لي ولابني ما نأكله ومن ثمّ نموت”. فردّ عليها النبي إيليا: “لا تخافي، ادخلي فاصنعي كما قلت ولكن اصنعي لي من ذلك أولاً قرصاً صغيراً وأتيني به، ثمّ اصنعي لك ولابنك أخيراً”. فعملت الأرملة بما أمرها به فكانت الأعجوبة الثانية حيث أن جرّة الدقيق لم تفرغ وقارورة الزيت لم تنقص. بعد هذا، مرض ابن صاحبة المنزل مرضاً شديداً حتى لم يبقَ فيه روح، فركضت إلى النبي إيليا تبكي وتقول: “ما لي ولك يا رجل الله، وافيتني لتذكرني بذنوبي وتُميت ابني”. فقال لها النبي: “أعطني ابنك”، وأخذه وأصعده إلى العلية و أضجعه على سريره وصرخ إلى الرب قائلاً: “إلهي لتعد روح الغلام إلى جوفه”. فسمع الرب صوت إيليا وعادت الروح إلى الغلام ونزل إلى أمّه، حينها قالت المرأة للنبي: “الآن علمت أنك رجل الله وكلام الله في فيك حق”.
عاش النبي بين 3 جبال خالدة: الكرمل، حوريب، طابور مدّة من الزمن، حيث خلّدت في بطونها وعلى قممها عجائبه وأعماله وفضائله وصلاته وغيرته ومناجاته لله. وجبل الكرمل هو أحد جبال فلسطين ويؤلف جزءاً مكمّلاً لجبال لبنان وفي أسفله مدينة حيفا، وهو شاهد لإخراج النبي إيليا نبع ماء من صخوره.
وفي السنة الثالثة من الجفاف، قابل النبي إيليا عوبديا، وكيل أحاب ملك إسرائيل، وكان عوبديا مؤمناً بالله واتفق معه على مقابلة الملك، وطلب إيليا من الملك أن يجمع الشعب إلى جبل الكرمل وأن يحضر معه أنبياء البعل وعشتروت ليرى أيهما يرسل ناراً تلتهم المحرقة، الرب أم البعل؟ فصلّى أنبياء البعل ولكن لم يكن من مجيب لصلاتهم، ولمّا دعا النبي إيليا الرب استجاب له ونزلت نار من السماء التهمت المحرقة. فأقرّ الشعب بأنّ الرب هو الإله الحقيقي. وبناءً على أمر النبي إيليا قُتِل أنبياء البعل. وعندئذ، أعلن النبي إيليا بأن المطر سوف ينزل. ولمّا توعدت إيزابيل بقتل النبي لأنه قتل أنبياء البعل هرب إلى الجنوب وطلب إلى الله أن يأخذ حياته، لكن الله أرسل إليه ملاكاً ليشجعه وليعطيه طعاماً وماء. وبقوة هذا الطعام أمكنه أن يسافر أربعين يوماً إلى جبل حوريب الذي يدعى أيضاً جبل سيناء. وهناك أتى الرب بالريح والزلزلة والنار وتكلّم إلى إيليا بصوت منخفض خفيف حتى يفوّض إليه إصلاح وتطهير هذا العهد. ثم بعث الله النبي إيليا ليضع “ياهو” ملكاً على إسرائيل و”حزائيل” ملكاً على آرام و”أليشاع” نبياً ليخلفه.
بعد أن تنبأ النبي إيليا بالموت الشنيع لأحاب وزوجته إيزابيل وكذلك بالقضاء التام على ذريتهما، حينها مرض أحزيا ابن أحاب فأرسل الأخير ليسألوا بعل زبول إله عقرون عن شفائه، فقابل إيليا الرسل وأرجعهم إلى الملك بدون أن يدعهم يذهبون إلى هيكل البعل، فغضب الملك من إيليا وأرسل ضابطاً مع خمسين رجلاً ليقبضوا عليه ولكن النبي صلى فأتت نار من السماء والتهمتهم، وحدث الأمر ذاته مع ضابط ثان وخمسين رجلاً آخرين، أما الضابط الثالث الذي أرسِل إليه لأخذه فإنه تضرّع إلى النبي لأجل حياته وحياة رجاله الخمسين عندئذ ذهب إيليا إلى الملك أحزيا وأنبـأه بأنه ما دام قد حاول أن يستشير إلهاً وثنياً فإنه سيموت حالاً وهكذا حدث وتمت هذه النبوءة. وفي نهاية أيام إيليا النبي، ذهب إلى الأردن مع أليشـاع وضرب إيليـا الأردن بردائـه فانشق الماء وسار النبيّان على اليابسـة ثم جاءت مركبـة نارية وحملت إيليا إلى السماء وترك رداءه لأليشاع. لذا، سمّي مار الياس الحيّ وكانت هذه الصلاة للمتضرعين له:
“السلام عليك يا مار الياس الحيّ يا نبي الله العلي وصاحب الإيمان القوي والغيرة الإلهية والسيرة الملائكية. أنت كاروز الحق قد دحضت الزور ووبخت صانعي الشرور وقرنت الغيرة المتقدة بالحب المضطرم ففتكت بكهنة بعل، وأهطلت الأمطار بعد انحباسها بصلواتك. فنسألك متضرعين، أن تجعلنا مستظلّين وبسنائك مستنيرين. وإذ نلتمس منك المعونة والشفاعة نلتجئ إليك قائلين: نجِّنا من الشدائد والمصائب والشرور ومن فخاخ الأعداء المنظورين وغير المنظورين. ردّ عنا الضربات وأبعد الأمراض والأوبئة والقحط والغلاء وادفع عنا وثبات الخيالات الرديئة والأفراح الشريرة وكن لنا حافظاً ومنجياً ومساعداً في كل ساعة من حياتنا. وكما قبلت تنهدات الأرملة ورددت لها ابنها الوحيد من بعد الموت وأحييته اقبل تضرعاتنا نحن الملتجئين إليك الآن وسدّد خطواتنا في سبيل البرّ لكي نحيا حياة نقية مرضية لله ونستحق أن نمجده تعالى معك ومع سائر القديسين في السماء إلى الأبد. آمين“.