في ظل الأزمة الصحية والاقتصادية الراهنة، يقف اللبنانيون بين آمال الهجرة وقيود الواقع, الغربة هي بالنسبة للبعض نافذه لتخطي الصعاب الراهنة. ولكنها ليست دائما الحل الأسهل, تبني لغة وثقافة جديده يتطلب الكثير من التحديات اليومية التي تكمن في فهم النظام الجديد. هذه التحديات اليومية كالشعور بالذنب عند المرء بالتخلي عن وطنه وأهله يستلزم المرونة نفسية وقدره على التكيف, يتطلب الانفتاح وتقبل الاختلاف، وغالبا تغيير ال‘‘أنا’’ إعادة التفكير في المعتقدات الشخصية، في التعبير عن المشاعر تعريف الأدوار الاجتماعية، كدور الرجل، الأب ودور المرأة والام.
لكل اغتراب أسباب وأهداف, يضطر بعض الأشخاص مغادره وطنهم الأم للعمل أو الدراسة أو هروبا من الحرب, فقد يكون لديهم آمال وطموحات لتحسين نوعية حياتهم, غالبا ما يجهل المغترب أن قراره له تكلفة نفسية في بعض الأحيان.
فما هي العوارض النفسية التي يتعرض لها بعض المغتربين؟ وما هي إيجابيات وسلبيات الغربة؟
عوارض النفسية للاغتراب
قامت جامعة رايس في هيوستن بتكساس، عام 2018، بأبحاث عن المغتربين واظهرت أن الأشخاص الذين يعيشون في الخارج لديهم إحساس أقوى وشعور أوضح نحو النفس ,أي قدره على فهم الذات والتعامل مع التوتر، والأداء الوظيفي.
من ناحية أخرى هناك عوارض نفسيه ممكن ان يوجهها المغترب إن عاش الهجرة بطريقه قاسية. ممكن ان يشعر بالذنب لأنه غادر وطنه، قد يعاني من الإرهاق بسبب المجهود اليومي على كل الأصعدة، ومشاكل في النوم والتركيز، تقلبات المزاج، فقدان المرجع، اللجوء الى الكحول والمخدرات لمواجه الوحدة، إضافة الى ذلك الحنين والاشتياق الى وطنه.
إيجابيات العيش خارج الوطن
هناك فوائد نفسيه للعيش خارج الوطن, الغربة تطرح تحديات على الدماغ، وتفرض عليه مجهود التفكير الدائم. هذا التغيير مفيد لأن الحياة الروتينية في مكان واحد يمكن أن تجعل عمل الدماغ راكداً، وحيث أن العيش في الخارج يتطلب حل الكثير من الأشياء، حيث يكون المغترب وحده، ويشمل ذلك اكتشاف الطرق وترقيم الشوارع وأنماط النقل، ويجب عليه التعود على عادات وقواعد مكانه الجديد، وهذه التغييرات يمكن أن تكون مرهقة في البداية ولكنها مفيدة لأنها تبقي الشخص في حالة تأهب عقلي دائم، أن التحديات اليومية تحفز العقل مما يساعد على تحسين المرونة النفسية والمعرفية وزيادة الابداع والابتكار والتميز الشخصي عن الاخرين, كذلك التفاعل مع أشخاص غير مألوفين من حيث الثقافة والجنسية والمعتقدات الدينية، يغير نظره المغترب للحياة ويجعله أكثر تعاطفا وتسامحا لأنه يدرك ان العالم لا يدور حوله. العيش بعيدا عن الوطن يفرض على الانسان إدارة المهمات المهنية وتنفيذ الأعمال المنزلية كلها، ويعطي المغترب نمط حياة نشيط مما يجعله مستقلا ومؤمن بانه يستطيع تحقيق أحلامه ورغباته. الاتكال على الذات يمنح شجاعة وتصميم على المغامرة.
سلبيات العيش خارج الوطن
تتجلى سلبيات الاغتراب عن الوطن بعدة أمور تؤثر على الراحة النفسية. فأولها ضياع هوية المغترب تدريجيا, فيزداد شعور المغترب بفقدان هويته الأصلية وهو شعور يزداد حدة مع طول الوقت بعيداً عن الوطن، ويتوقف هذا الأمر على عدد المرات التي يزور فيها ذلك الشخص وطنه, إذْ لا يستطيع بعض المغتربين التكيف لفترة طويلة مع حياتهم الجديدة في وطنهم القديم، ويعانون من صدمة ثقافية عكسية، وفي بعض الحالات، يعود المغتربون إلى وطنهم ولا يمكنهم إستئناف حياتهم السابقة.شخصيا أعتقد أن من أصعب المعاناة النفسية للمغترب هي الشعور بالقلق الدائم في التقدم بالسن بعيدا عن الأهل والأحبة.
بقلم يارا بصيبص
اختصاصيه في علم النفس العيادي
فرنسا