بقيت الليرة اللبنانية محافظة على متانتها و مناعتها امام الدولار الاميركي منذ تأسيس المصرف المركزي و قانون النقد و التسليف حتى بدايات الحرب الاهلية، حيث بدأت بالتالي الخسائر الاقتصادية تتوالي و ترخي بثقلها على سعر الصرف الى ان ارتفع الى ما يقارب الثلاثة الاف ليرة للدولار الواحد في اعوام التسعينات بعد ان كانت في ستينات القرن الماضي لا تتجاوز الثلاث ليرات للدولار، و مع بدء انهيار الليرة كثر الحديث عن تثبيت سعر الصرف، و هذا ما كان في العام ١٩٩٧ حيث ثبت سعر الدولار مقابل الليرة اللبنانية على سعر وسطي عند ١٥٠٧،٥ و جعل وظيفة المصرف المركزي الاساسية التدخل في الاسواق شاريا او بائعا للابقاء على هذا التوازن و الذي كلف الخزينة في بعض الاحيان خسائر فادحة، و كل ذلك كان في سبيل الاستقرار المالي و النقدي لجذب الاستثمارات و رؤوس الاموال.
و مع الاستمرار في سياسة التثبيت و التي اثبتت نجاحها في اولى السنوات، الى انها مع مرور السنوات و التغير الحاصل في المنطقة ككل، و اعتماد لبنان على الاقتصاد الريعي، كل ذلك ادى الى خلل كبير في ميزانه التجاري حتى وصل في العام ٢٠١٨ الى ما يفوق ١٧ مليار دولار خسائر وفق احصاءات البنك الدولي، و لسد هذا العجز الحاصل تزايدت معدلات الاستدانة من قبل الدولة اللبنانية حتى وصل الدين العام الى ما يفوق ٩٠ مليار دولار، حيث لم يعد هناك من حلول مالية سوى استعمال احتياط مصرف لبنان لسداد الديون مع تخفيض مستوى لبنان الائتماني الى مستويات قريبة جدا من مرحلة الافلاس، الى ان عجزت الدولة عن سداد ديونها في تواريخ استحقاقها، و شعور الفئات اللبنانية جمعاء بعدم قدرة الحكومة على تخطي المرحلة الحالية، فتهافت المواطنين لاسيما التجار منهم و اصحاب رؤوس الاموال الى سحب مدخراتهم من المصارف او تحويلها الى خارج الوطن، و بسرعة استثنائية فقدت المصارف قدرتها على تغطية طلبات السحوبات و التحاويل ناهيك عن توقف المساعدات كافة الى لبنان لاسباب سياسية و اقتصادية مما جعل صعوبة توافر الدولار في الاسواق شبه مستحيلة، ففقدت الثقة بالكامل و زاد الطلب على الدولار و من مبدأ العرض و الطلب و ضعف القدرة على المراقبة المالية و بعض الفساد الحاصل في مراكز القرار، حلق سعر الصرف عاليا و بوقت قصير ليقارب العشرة الاف ليرة في بعض الاحيان.
و مما زاد من تدهور الاقتصاد اللبناني لاسيما سعر الصرف، هو تشكيل الحكومة الحالية التي لم تكسب ثقة الداخل و الخارج على السواء، كما تداعيات ازمة كورونا، فتوقفت التحويلات الخارجية و التي كانت تعتبر الحجر الاساس في الاقتصاد اللبناني و السيولة في شكل خاص، كما انهارت قطاعات السياحة و التجارة الصناعة و الزراعة بعد ما حصل في القطاع المالي و المصرفي، فتوقفت المشاريع الصغيرة و انهارت بعض المشاريع الكبيرة لاسيما الاجنبية العاملة في لبنان، مما زاد من معدلات البطالة، هذا مع اخطاء فادحة في تعاميم مصرف لبنان و قرارات السلطات المالية و النقدية اللبنانية التي زادت من سوء الازمة مع عدم القدرة على تطبيقها.
ان الحلول الواجب اتخاذها للخروج من هذه الازمة، و لاسيما ازمة سعر الصرف التي تطال فئات المجتمع اللبناني بالكامل تبدأ بالحلول السياسية، مع ابدال الحكومة الحالية بحكومة تعيد ثقة الداخل و الخارج و تلبي طموحات الشعب اللبناني الذي طالب بالتغيير في ١٧ تشرين، و بالتالي نستعيد التحويلات الخارجية و السيولة، كما نستعيد المساعدات الدولية و نعيد برمجة الدين الخارجي و نحاول ابجاد حلول مصرفية من خلال دمج بعض المصارف لزيادة رؤوس اموالها.
لبنان اثبت عبر التاريخ انه قادر على النهوض من ازماته، فاستعادة الثقة فيه هي الخطوة الاولى للبدء في الحلول.
د. خلدون عبد الصمد